قائمة الطعام: كتابي المقدس

طلب الطعام في المطاعم بالنسبة لي مغامرة نفسية معقدة، تبدأ منذ اللحظة التي أجلس فيها في مطعم ما، وأفتح قائمة الطعام كأنني سأقرأ كتابا مقدسا لأول مرة.
أطالع الصفحة الأولى، ثم الثانية، وأعود للصفحة الأولى مجددا.
"بيتزا؟ غير مشبعة. ربما سلطة؟ لست في حمية. أطلب طاجين؟ لكني أكلته البارحة"
تمر 10 دقائق وأنا لا أزال غارقا في التفكير.
ثم يطل النادل بابتسامته المعتادة: "مرحبا سيدي، ماذا قررت؟"
أبتسم ابتسامة الشخص المرتبك وأرد بتوتر: "ماذا تقترح علي؟"
أطلب نصيحته، لمجرد إطالة وقت الحيرة.
ينطلق النادل في شرح القائمة بحماس وكأنه هو نفسه شيف المطعم:
"لدينا طاجين لحم، لذيذ وشهي، وكذلك المعجنات، طريّة وحضرناها اليوم"
أومئ برأسي باهتمام، لكن في داخلي أعلم يقينا أنني لن أختار أيا مما اقترحه:
"مممم، الطاجين يبدو لذيذا، ولكن، ماذا يوجد لديكم في السندويتشات؟"
النادل يبتسم، لكنه يُدرك أنني هنا فقط لإضاعة وقته، وأنا أُدرك ذلك أيضا.
بعد ربع ساعة من المشاورات والمداخلات الفلسفية حول مكونات كل طبق، أقرر أخيرا:
"أحضر لي بيتزا مارغاريتا، أعتذر لا أريد أن أطيل عليك"
يغادر النادل ليحضر الطلب، وأجلس وأنا أشعر وكأنني اتخذت قرارا مصيريا.
وما إن يختفي حتى أبدأ في التساؤل في ذهني:
"هل ارتكبت خطأ؟ لماذا لم أطلب الطاجين أفضل؟"
تمر 3 دقائق فقط، وأبدأ في تحريك رأسي، والنظر نحو المطبخ والنادل كل 15 ثانية، وأحدث نفسي:
"لماذا كل هذا التأخير؟ هي مجرد بيتزا".
بعد 5 دقائق، أبدأ في الشكوى داخليا: "بطيئون جدا، لن أعود هنا مرة ثانية".
وفي اللحظة التي أقرر فيها استدعاء النادل للسؤال عن سبب هذا التأخير، يظهر حاملا البيتزا بابتسامة الواثق.
وما إن أتناول القطعة الأولى حتى أشعر بالندم:
"بيتزا عادية جدا، كان علي أن أطلب شيئا آخر"
لكنني أعلم أنني سأكرر نفس السيناريو في كل مرة.
لأن طلب الطعام بالنسبة لي جلسة طويلة تنتهي دائما بشيء واحد:
الندم على ما لم أطلبه.
